الجمعة، 4 أبريل 2014

العصيـــان المـــدني وليبيا و ثُــورو !

تكررت الدعوات في ليبيا حول العصيّان المدني رغم أن نجاح العصيّان يعتمد على أن الدولة تعتمد بشكل أساس على الضرائب أو الأعمال التي يؤديها أفراد الشعب ، والتي إن توقفت تؤدي إلى اضرار كارثية باقتصادها !
قبل الدخول في تفاصيل الحالة الليبية سنتحدث قليلاً عن تاريخ ظهور مُصطلح (العصيان المدني ) ، ظهر هذا المصطلح — Resistance to Civil Government «مقاومة الحكم المدني» (1849) وهي من اهم المقالات التي كتبها المفكر الأمريكي (هنري ديفد ثورو) بعد قضائه ليلة واحدة في السجن واعاد نشرها تحت عنوان «العصيان المدني» وكانت المقالة تُحرض على العمل بأسلوب العصيّان المدني لانتزاع الحقوق ورفض الظلم وكانت ملهمة لكثير من قادة حركات التمرد والعصيان المدني.
ثورو المولود عام 1817 ببلدة كونكورد بالجنوب الأمريكي يعبر عن نفسه ويقول ” أنا متصوف، تجاوزي، وفيلسوف طبيعة من قمة رأس إلى أخمص قدميّ” ارتبط بصداقة قوية مع المفكر “رالف والد أمرسون ” صاحب الفلسفة المثالية المتعالية ذات النزعة التصوفية الفردية وقد تأثر به أيما تأثر ، ولعل العمل المسرحي الرائع الذي قام بتأليفه (جيروم لورنس وروبرت) بعنوان ”الليلة التي امضاها ثورو في السجن والتي تدور حكايتها بين كل من هنري ديفيد ثورو و صديقة الشاعر أمرسون عندما زاره في السجن حينما كانت تنفذ به عقوبة التي صدرت بحقه نتيجة رفضه لدفع الضرائب لأنه يجد أن عائدات تلك الضرائب تساهم في دعم الذل (الرق والعبودية) .
وما إن التقيا عبر القضبان حتى صرخ هذا الأخير بالكاتب السجين:
هنري… ماذا تصنع هنا خلف القضبان؟
ليكون جواب ثورو بلهجة أكثر استنكاراً:
بل أنت يا والدو… ما الذي تصنعه خارج القضبان؟!!.
وبالتأكيد حوار مثل هذا لم يكن عبثياً بل هو محاولة من ثورو لإفهام أمرسون وغيره أن المثقف من واجبه ان يقف ضد الظلم وألا يُطيع من يشرعنه.




ولا شك أن ثورو ومقالته كان له أشد التأثر على قادة حركات التمرد والعصيان المدني كغاندي ومارتن لوثر كينغ مما مكنهم من انتزاع حقوقهم انتزاعاً
ولنأخذ مارتن لوثر كينغ وحركته المناهضة للتمييز العنصري كمحل للتساؤل ،لماذا نجحت هذه الحركة في انتزاع حقوق الأفارقة السود الامريكيين ؟
ولعل الجميع قد سمع بتلك الحادثة التي حصلت في كانون الأول/ديسمبر عام 1955، حين رفضت (روزا باركس ) وهى سيدة سوداء أن تخلي مكانها في حافلة لراكب أبيض، فما كان من السائق إلا أن استدعى رجال الشرطة الذين ألقوا القبض عليها.إثر هذا الحادث نادى كينغ بمقاطعة شركة الحافلات وامتد ذلك عاما كاملا أثر كثيرا على إيرادات الشركة، وأدى إلى كسر قانون العزل العنصري في ألاباما.




روزا باركس ومارتن لوثر كينغ  



اليوم نرى الداعيين للعصيان المدني في ليبيا والذين تلقفوه هذه الدعوة من صفحة على الفيس بوك لا نملك ابسط المعلومات على القائمين على إدارتها وماهي خلفياتهم ،يدعون لإغلاق المؤسسات الحكومية من جامعات لمدارس لمطارات ،لأغلاق الأسواق وكأن بفعلهم هذا سيؤثرون على المؤتمر أو الحكومة باعتبارهم المستفيد والمتستر الأول حول ما يحدث في مدن ليبيا من قتل واغتيال وتردي للأوضاع الأمنية!
رغم خروج أحدهم على احدى الشاشات الفضائية ليفضح الفساد المستشري في المؤسسة الأمنية في بنغازي وطبع اً هذا الفساد يطول كافة المؤسسات الأمنية في ليبيا من ناحية تبذير ونهب المال العام والقاء اللوم على الدولة في تعطيلهم ولم نرى احتجاج او اعتصام واحد امام تلك المؤسسات تطالب بإعادة هيكلتها ومحاربة الفساد فيها !
ورغم أن المتضرر الأول من المطالبة بالعصيان المدني هو المواطن البسيط فعلى ارض الواقع لا يقدم المواطنين الى الدولة اي شيء يجعلهم أداة للضغط عليها ،فأغلب الموظفين بالأصل لا يداومون في أعمالهم ويقفون اخر الشهر امام المصارف لاستلام مرتباتهم ، واغلبهم يعتمدون على الدولة اعتماداً كلياً وحتى الضرائب التي يقدمونها للدولة لا تمثل شيئاً في ميزان التأثير الاقتصادي . وكما تعودنا سينتهي هذا العصيّان بضرر للطرق المتهالكة اساساً بفعل اشعال الإطارات
ويبدو ان المواطن الليبي لا يدرك الأزمة المقبلة عليها ليبيا والأخبار التي يتم تداولها حول الاتجاه إلى الاقتراض من البنك الدولي ،والارتفاع الغير طبيعي لقيمة صرف العملات ،والتجاء المصرف المركزي للسحب من المصروف الاحتياطي وتأثيرات توقف تصدير النفط والذي ان لم يرجع إلى مستواه المعتاد قبل الربع الثاني لـ2014 سندخل في أزمة اقتصادية حادة ،وكذلك الأزمة السياسية مع الشقيقة مصر والتي انتقلت لمستوى جديد عندما عرضت قناة cbc) ) فيديوهات تقول أنه للأماكن تدريب للجيش المصري الحر وتدعو لتدخل الجيش المصري في ليبيا وخصوصاً برقة بعد تكرار كل من عبدالفتاح السيسي لخطر الإرهاب القادم من شرق ليبيا وتشديده انه جاء ليحافظ على أمن المنطقة ككل و استمرار الجوقة الإعلامية لمصر الجديدة من حسنين هيكل للمسلماني لغيرهم في التحريض المستمر للتدخل عسكرياً في برقة !!؟
وبعد هذا السرد الطويل ،يجب أن يسأل دعاة العصيان المدني في ليبيا أنفسهم ،هل العصيان المدني يأتي بالنتائج المرجو منه أم أنه مجرد فعل لزيادة احتقان المواطن وتشتيت تركيزه بعيداً عن مواضيع ثانية !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق