السبت، 20 ديسمبر 2014

المجدل ثوب مُطرز في ذاكرة فلسطين ..تدوينه عن (طعم الفراق ..لربعي المدهون )



هي  سيرة المجدل  كثوب مطرز بأيدي أهلها تختلط فيه الألوان .جلجلي وأبو ميتين والجنة والنار والمحير وأبو سبعين و أبو سفرتية  
هي سيرة أهل الجنوب نكبتهم وضياع فلسطين منهم شتاتهم وغربتهم 
هي عدد المرات التي لجأ فيها الفلسطينيون وضاقت عليهم ديار الأشقاء ، هي سيرة لربعي  المدهون والمجدل توثيق للموت والفرح، للموتى والشهداء، للحلم بالعودة ، هي حكايات أمه وذكرياتها التي التقطها عبر البحار من هاتف تنطق امه لطيفة الكلمة من قلب غزة وقلبها لتقع في قلب ربعي في لندن
بدأ ربعي ما كتب بأسلوب الكتب المقدسة في الكتابة في محاولة لمحاكات الاسطورة الصهيونية بنسج اسطورة فلسطينية تجعل الفلسطيني مسيحياً يرفض الصلب ويقاوم بالحجر والمقلاع
على مقطوعات الجاز قسم ربعي حكايته وحكاية أهل المجدل/عسقلان ،أدخلنا في زحمة التساؤل عن افضل جملة يبدأ بها روايته ورواية شعب فقد وطنه !

المجدل قبل النكبة 

ذكرى وفاة والده خليّل كانت هي السبب الذي أجبر ربعي على كتابة هذه السيرة التوثيقية الرائعة :بداية من نكبة 48 حتى نزوحهم إلى غزة ثم ذهابه إلى مصر للدراسة ثم ترحيله منها إلى عمان ثم حرب (المقاومة) ضد الجيش الأردني ثم رحيله إلى العراق ثم دمشق و محطة النهاية نهاية هذا الجزء بيروت .عن محاولة تدويل غزة ، عن عبدالناصر عن النكسة،عن رفض مبادرة روجرز والملك حسين عن العراق والبعثيين عن الجبهة الشعبية وفتح عن  الثورية بلا عقل
كل ما جاء في هذه السيرة كان توثيقاً لشهادات اناس عرفهم ربعي من 1948 حتى خروجه من غزه ،بعد خروجه من غزه تصبح الحكاية حكاية ربعي ،حكاية كل شاب فلسطيني تربى في مخيم عرف كرت التموين والعوز والبرد ،كل شاب كبر على حلم العودة وذكريات اللاجئين من أهلهم ،فحمل السلاح ،لم يرى غيره سبيلاً للعودة ،ظن ان العرب جميعاً مثله يشتاقون للمجدل وعكا وحيفا ،اسند ظهره اليهم مطمئناً فباعوه في سوق النخاسة بأول مصافحة من الجيران الجدد

الأربعاء، 3 ديسمبر 2014

الحلة :عاصمة السخرية العراقية المرة و ذكرى الساخرين






الحُلّة بضم الحاء وتشديد اللام كما اسماها سينا علي بن اب طالب لجمالها و قربها من الفُرات
الحُلة التي يفصلها الفرات إلى صوبين ويحترف اهلها السخرية تلك السخرية النابعة من العجز والمرارة  يأخذنا  نوفل  عبر حكايات اهلها وجلسات المقاهي وليالي السمر بين نكات الأصدقاء وسطوة السخرية  ،يجول بينا نوفل  بين ازقة و شوارع وجسور الحُلّة الثلاث  وبين الصفحات يذكر نوفل بعض الشخصيات الأدبية والثقافية  مثل عبدالجبار عباس وصالح و  الشاعر الملا محمد علي القصاب والمغني المشهور سعدي الحلّي الذي رغم رحيّله لا زال مادة للنكت العراقيّة  وغيرهم
الحُلة ونهر الفرات يقسمها لصوبين 
يتحدث نوفل الجنابي عن طفولته في الحُلّة ومدرسة العدنانية للبنين وعن مدرسيها وناظرها عن حلة الأكراد وساكنيها عن سينما دار الفرات و مقهى السّنيّة عن استكانة الشاي وكوب العرق المسيّح ونداما شط الفرات بللهجة العراقية الدارجة التي تضيف على الكتاب هوية مستقله لا يخجل نوفل من ذكر بعض المواقف التي تحمل بعض الألفاظ البذيئة فأهل الحلة لا يستحون من استخدامها 
محل علاوي للذهب

صورة لمقهى في الحُلة


يتحدث نوفل عن عزيز السري ذلك المُخبر في المباحث السياسية  الذي دأب على قيادة دراجته فيختبئ  الأطفال ومنهم نوفل  وراء صفوف أشجار الآس الممتدة في المنتزه العام  ليصرخوا بأعلى ما يستطيعون
من راقب الناس ..مات هماً
بعد انقلاب تموز 1968 أصبح ترديد تلك العبارة كافية لنصب المشانق لمن قالها
يتحدث نوفل عن عمته التي ظنت ان كبر سنها سيكون عذراً لطول لسانها فأوغلت في النقد والتهجم على حكام العراق الجدد بين جاراتها ليفاجئ زوجها بتوقف البيك آب الأحمر امام بيته وليطلب المفوض ان تأتي الحجيه معه  اراد الزوج الذهاب معها فنهره المفوض وطلب منه البقاء في البيت واغلاق الباب فرد بالعراقية الدارجة كما كتبها نوفل
(اكَعد بالبيت شسوي؟؟
الحجية لا تشوف ولا تسمع
فأجابه المفوض :بس لسانها أطول منها
عادة الحجيه ليلاً على اقدامها صامتة ليومين متتاليين تتلفت فقط وترفض ان تشرب استكان الشاي المقدس عندها وبعد زمن اخبرت نوفل ماذا فعلوا بها
فقالت :حرموني شرب الجاي (الشاي)
كَعدوني عند الضابط ،هو ساكت وآني ساكته ،ثلاث ..أربع ساعات ،وعلى غفلة صــاح جنه كَارصته حيّة :
جيبولي جاي
عمه وآني ما حاطه بحلكَي شي من عشا البارحة
اجاني استكان الجاي مبوخ (ساخن جداَ) بس حطه الفراش جدامي صاح الضابط:
اشربي
ويا عمه من خوفي كرعته كرعة وحدة (شربته دفعة واحدة )  حسيت جهنم اشتعلت ببلعومي
بس حطيت  الاستكان الفارغ بالماعون صاح الضابط:
جيبولها الثاني!!!

وللناقد العربي الكبير عبدالجبار عباس حكايات كثيرة في هذا الكتاب أهمها حكايته مع سرقة دراجته التي كان يطلق عليها اسم (العراق) ومأزقه مع الفصاحة التي اعتاد ان يستخدمها فكان من حظه المنحوس ان استخدم احداها في الحلة فعلقت الحادثة في ذاكرة الحلاويين لتكون مضرب مثل على رطانة المثقفين  
عندما سرقة (العراق) اي درجته مضى عبدالجبار يندبها فسأله زميله محمود العطية أن كان قد بلغ عن سرقتها فرد عبدالجبار
_ ألمن ابلّغ ؟
فرد محمود بسخرية :الشرطة ،المن تبلّغ ؟ مديرية انحصار التبغ ؟؟!!
ذهب عبدالجبار للمركز ليبلغ عن السرقة فلما سأل عن اوصاف دراجته اسهب في البلاغه وقال
(خضراء اللون أو قل خضراء بحبيبات رمادية ،على مقودها من الجهة اليسرى جرس منبه ذو رنين ناعم يبعث على النعاس )!!
رفع رئيس العرفاء رأسة من الدفتر مستفسراً
عمي .أنت متأكد اللي ضايعلك بايسكل (دراجة)؟!!
الناقد عبدالجبار عباس


تسحب مسبحة الذاكرة فيذكر نوفل مرحلة الثانوية وحماسها الذي دفعه للدخول في تنظيم محظور كان مؤسسيه طلاب الثانوية الغرض منه الإطاحة بحكم البعث ،هدف ظن نوفل ان اتحاد من الطلبة سيحققه  !!

يذكر نوفل اول اجتماع لهم بيم اشجار بستان على طريق النجف  اعترض احدهم على مكان الاجتماع معللا ذلك بأنه مكان مفضوح ولو رأوهم  رجال الأمن لأدركوا انه اجتماع لتنظيم سري واقترح ان يكون الاجتماع القادم في كَقهوة صبري اللي كَبال الأمن  بحجة ان احداً لن يتوقع ان تصل الجراءة بهم لعقد اجتماعاتهم هناك

بعد اسبوع اجتمع الرفاق في مقهى صبري  انتبه احد رجال الأمن لذلك فخرج من المقهى وبعد عشر دقائق حضر اربع رجال ودارت معركة كانت الغلبة فيها لرجال الأمن وسحب فيها شخصين الرئيس وصاحب الاقتراح الألمعي ،خرج الأثنان بعد اربعة ايام من الضرب المركز
اقترب نوفل من صديقه المنكل به وهو واقف امام بسطة الجرائد  وبعبارة ملئها السخرية همس نوفل
الاجتماع الجاي وين ؟؟ على سطح الأمن


الكثير من المواقف والتي تضمنت عبارات ساخرة  ضمنها نوفل كتابه والتي كانت اقرب لسيرة ذاتيه ليس لنوفل فقط بل لأغلب رفاقه من  اهل الحُلّة  كنت اتمنى ان اسردها لكم لتعم البهجة قلوبكم وتضجكوا وتقهقهوا احياناً ولتحبوا شخصيات كصلوحي لطيف بربن وبرهان ونسة وعمّودي وغيرهم ولا تستغربوا لهذه الأسماء فأغلبها اسماء لم تسجل في شهادات ميّلاد اصحابها بل اتتى اما مصادفة او من موقف تعرض له احدى هذه الشخصيات فلأهل الحُلّة عدى عادة السخرية هواية اطلاق الأسماء على الاشخاص او الأماكن او الأحداث  يتفردون فيها عن باقي المناطق المجاورة لهم