الاثنين، 14 يوليو 2014

خَبِّرْنا خَبِّرْ عن يـافـا

خَبِّرْنا خَبِّرْ عن يـافـا





بمجرد ان تقرأ عنوان تتخلله كلمة (يافا) تتذكر قسماً لجورج حبش في احدى رسائله " قسماً ببرتقال يافا و ذكريات اللاجئين، سـنُحاسب البائعين لأرضنا والمشترين".وتتذكر أغنية الأخوين الرحباني (أذكر يوماً كنت بيافا) 


كان العنوان الذي ذكرني بجملة الحكيم رواية بعنوان (يافا تعد قهوة الصباح )، الرواية لا تتمتع بعمق في الشخصياتكروايات اليوم ،ولا بالوصف الأدبي ولا البلاغي ولا بتنوع المفردات ،ولكن لها جاذبية ما ، ربما بسبب الفكرة الجديدة التي تطرحها  مقارنة بباقي الروايات الفلسطينية فهي بعيدة كل البعد عن فكرة الحرب والنكبة والتهجير واللجوء ، تحاول الرواية وبكل بساطه أن توثق الحياة اليومية لأهل يافا في 30 و 40 القرن الماضي بشكل عام تضع مقارنة بين عائلة البيك أبو سليم وبين عائلة الناطور أبو إبراهيم ،وكيف تعيش هاتين العائلتين ومدى ارتباطهما بالمحيط ، هي عملية سرد بسيطة ولكن ممتعة ربما لأننا نجهل كيفية معيشة أهل فلسطين قبل التهجير ، يبدأ أنور حامد سؤاله من نحن ؟من يستطيع أن يمدني بمعلومات تساعدني في رسم ملامح تلك المجموعة البشرية التي سكنت يوماً ما تلك القطعة من الأرض المسماة فلسطين والتي تتفن النساء في ارتداء قلادة منحوتة لخارطتها وكأن القلادة أصبحت رمزاً للانتماء ؟


لا أريد أن اعرف من نحن من اغان تراثية حُرفت لتدخل عليها السبطانة ورائحة البارود لا أريد ان اعرف تاريخ فلسطين بدلالة أول رجل يهودي مهجر سبقه الخوف قبل ان تطأ قدمه أرض فلسطين .



من هم شعب يافا  أين ذهبت عائلات حي العجمي والمنشية وارشيد والنزهة والجبلية وهرميش.
 وبدأ أنور رحلة بحثه من خلال صفحته على الفيس بوك طالباً معاونة الأصدقاء للبحث عن أهالي يافا وحيفا و باقي المدن التي كانت يشكلون مجتمعاً راسخاً ذا ملامح واضحه ، وكان له ما أراد حين قرأ رسالة لشاب من الأردن اسمه بهاء يقيم في حي الشميساني بالعاصمة عمان ، كان حفيّد فؤاد أبن البيك أبو سليم  وبطل الرواية مع بهيّة بنت الناطور أبو إبراهيم ، خشبة الأحداث حقول البرتقال وشوارع يافا وبحرها .

صف الكشافة  في المدرسة الأميرية (يافا)


صف النجارة في المدرسة الأميرية (يافا)




سينما الحمرا في شارع جمال باشا بمدينة يا فا سنة 1937



لا تتوقع أيها القارئ أن تعجبك النهاية فالرواية ستغلق فجأة ولا زلت ترغب في أن تستمر ،كأن أنور حامد اضطر لإنهائها على عجل ،ربما أمانة النقل منعته من اضافة بعض الأحداث من مخيلته وربما أراد أن يقول أن هناك ما هو أقسى من التهجير واللجوء وأن الحب المستحيل اقسى !
لم أذق يوماً برتقال يافا ولكنه كما يُقال لا يوجد برتقال كبرتقال يافا الحزين   


موسم قطف البرتقال

الثلاثاء، 8 يوليو 2014

حلوى عاشورة




تعمدت أن اقرأ هذه الرواية قبل رواية قواعد العشق الأربعون لإليف شافاق لا أدري لماذا اختارت إليف اسم (لقيطة إستانبول ) لروايتها رغم أن الرواية لم تكن تتكلم عن آسية وحدها ، تمتلك إليف قدرة عجيبة في إعطاء كل شخصية في الرواية القدر المطلوب لتجعلها محط انتباه القارىء ، الوصف الظاهري ،الحركات التعابير العاطفية لكل شخصية دون أن تخل بتوازن الرواية ودون أن تشتت القارىء ،أول المشاهد الذي يشدك إليها مشهد المطر الذي يهطل في شوارع استانبول ويبلل شعر زليخة الأسود ، ليدخلك بعدها في مشهد الضجيج والحياة الغارق في حب استانبول ،ثم تأخذك الشوارع إلى بيت قازانجي ، بيت ملء بالنساء المتناقضات ،كل واحدة منهم تمتلك قدراً من الجنون ،بانو شكرية فريدة زليخة أم كلثوم وما-الهيفاء وطبعاً آسية ،بعد الفصل الأول والثاني والثالث من الرواية تُدرك أن الفصول معنونة بأسماء مكونة لأكله مشهورة في تركيا وفي الوطن العربي عموماً ،عاشورة وتتسائل لماذا قسمت إليف وعنونتها بمحتويات آكلة ما ؟! أكان السبب أن مصطفى الرجل الوحيد في عائلة قازانجي كان يحبها أم لأن الأكل هو الرابط بين الأتراك والأرمن غير الدم والمجازر ، أم لأن حكاية العاشورة كما في الموروث التركي هو مانتج عندما ركب سيدنا نوح السفينة مع اخيار الناس والحيوانات والطيور وقل الطعام فأمرهم بأن يجلب كلُ ما عنده إلى قدر ليكون الناتج حلوى العاشورة  ،هي رسالة للمودة والألفة والمحبة هكذا أرادت إليف في روايتها أن تجمع قصة آسية التركية  بآرمانوش الأرمنية أن تفتح الباب بين تركيا الحاضر وتركيا الماضي ، أن توصل رسالة كل طرف للأخر وهذا شيء أجزم أنها قد نجحت فيه .
لم تنكر إليف المجازر التي وقعت في حق اللأرمن وكذلك لم تعتذر عنها كتركيّة لأن ذاكرة التاريخ عند الأتراك بجزئين بين دولة عثمانية وما يسمونها حديثاً بتركيا الحديثة فذالك زمان وهذا زمان بالنسبة لهم ، فهي جسدت في شخصية آسية الفتاة التي تركل الماضي بقدميها ولا تبحث عنه ولا تسأل عما يحتويه من أحداث عكس آرمانوش الأرمينية الأصل التي تربت أن التاريخ جزء من الماضي وأنها ككل الأرمن  اصرارهم بالأرتباط بالماضي ليس من أجله او من أجل القضية  بل من أجل انفسهم فهم لا يستطيعون ان يعيشوا الحاضر إلا من خلاله .

سترى أن إليف شافاق في هذا الرواية تأخذك في رحلة تاريخية لا مثيل لها، وتارة أخرى تلعب دور المرشد السياحي لتصف لك استانبول ،وتارة أخرى تجلسك على طاولة لتذيقك أشهى المأكولات ،تغوص بك في حالة التناقض بين الشرق والغرب بين الروح والجسد  .

ستبقى مشاهد عدة راسخة في ذاكرتك بعد ان تتم هذه الرواية ،مشهد المطر وكاسات الشاي والعين الشريرة ، مجادلات مقهى كونديرا ،بانوا والسيد مُرّ،ودبوس الرمانة الذهبية،مشهد رحلة شوشان وعائلتها ،ووصفة وإعداد حلوى عاشورة وستحفظ  القواعد الذهبية لحصافة المرأة الإستانبولية وتلك العبارة التي قرأتها زليخة وعمرها تسعة عشر عاماً لتعود ابنتها لتقرأها وعمرها تسعة عشر عاماً "لا تقل إني بائس فللبؤساء قلوبٌ أيضاً "و هذه الأسطر.

كان يا مكان
كان في قديم الزمان ،في أرض ليست ببعيدة كثيراً ، عندما كان المنخل داخل القشّة، كان الحمار منادي البلدة ، وكان الجمل حلاق البلدة.. كنت أكبر سناً من أبي لذلك كنت أهز مهده عندما كنت أسمع بكاؤه ..عندما كان العالم مقلوباً رأساً على عقب، وكان الزمن دائرة تدور ، لذلك كان المستقبل أقدم من الماضي، وكان الماضي نظيفاً ونقياً مثل حبة بُذرت في الحقل حديثاً.

كان يا مكان ،في قديم الزمان ،كانت مخلوقات الله كثيرة جداً بعدد حبات القمح، وكان الكلام إثماً ، لأنك تستطيع أن تعرف مايجب ألا تتذكره ، وتستطيع أن تتذكر ما يجب ألا تقوله.