السبت، 9 نوفمبر 2013

شعبي ما بعد الحرب ..



كنت قد وقعت بالصدفة  على كتابٍ  في مكتبة بشارع العروبة لم ابحث عن اسمها يوماً رغم ترددي الدائم عليّها لرخص كُتبها مقارنة بالمكتبات الثلاث الأخرى في مدينة البيضاء، كان الكتاب سيرة ذاتية لمحمد أسد "الطريق إلى مكة " وخلال مطالعتي للكتاب الذي يتحدث عن سيرة حياة رجل نمساوي ترك بلده ليبحث عن عوالم أخرى  ،وليبحث عن (نفسه) لينتهي به الأمر كمبعوث لباكستان في مقر الأمم المتحدة بنيويورك ،
ظهرت عبارة  "الخواء الرُوحي" والتي جاءت ضمن ما نقل الكاتب عن الفترة التي تلت نهاية الحرب العالمية الأولى والتي أنهكت أوروبا  وأثرها  الشديد على اجيال من الشباب الأوروبي  حيث يقول "كانت العقود الأولى للقرن العشرين تصطدم بالخواء الروحي للأجيال الأوروبية ،كل القيّم الأخلاقية التي اعتنقتها الأمم الأوروبية على مدى قرون عديدة أصبحت هشة متداعيّة تحت وطأة التداعيات المرعبة لما حدث بين عامي 1914 و 1918 وهي السنوات التي استغرقتها الحرب العالمية الأولى ،في الوقت الذي لم تبد فيه أي قيم روحية جديدة في أي أفق ،كانت مشاعر الهشاشة وعدم الإحساس بالأمان متفشية بين الجميع – إحساس داخلي بالكارثة الاجتماعية والفكرية التي أصابت الجميّع " وأردف قائلاً "في مجري التفكك والانحلال العام للقيم الأخلاقية التي كانت راسخة قبل الحرب العالمية ،تحللت كوابح وقيود كثيرة كانت تسود  العلاقة بين الجنسين".
 وأنا اقرأ هذه الكلمات  كان من المستحيل أن ابعد عن تفكيري ما يحدث الآن على أرض الواقع في ليبيا بعد حرب اكتسبت نفس الثورة ورفع الظلم لتواجه آلة عسكرية وفي خضم الصراع ،انشق الشعب بين مؤيد للثورة ورافض لها بحجة المؤامرة والاستعمار، و أدى ذلك من تواجه بين افراد الشعب و سقوط أول القيّم "حرمة الدم بين الأخوة" وبذلك فقدت الثقة المتبادلة بين افراد الشعب أو اصبحت هشة.



 يقول علماء الاجتماع أن الفرد يكتسب شخصيته و يوثق قيمهُ وتبدأ أفكاره ورؤيته للحياة بالنضوج مع بداية مرحلة الشباب  وأن الحروب القاسية تترك صدمة وجرح غائر في أرواح من يشاركون فيّها ،و لا توجد احصائية دقيقة اعتمد عليها لذكر العدد الصحيح من الشباب الليبي الذي شارك في معارك طاحنة على مدى شهور رفع فيها السلاح على أخِ له في بعض الأحيان ، أو جمع أشلاء رفيق  مقاعد الدراسة ودفنه على عجل ،وكيف أن هؤلاء يحتاجون لعلاج نفسي للخروج من حالة الصدمة التي وقعوا فيها  وأن انكروا أنهم واقعون فيها ، ولعل البعض  اصابه القلق الروحي ولم يجد أحداً  من أهل العقل يجيب عن اسئلته حول سقوط بعض القيم الأخلاقية المقدسة فاجتاحت بعضهم تيارات الحادية ولا اقصد هنا الحاد بالدين فقط ولكن بالقيم الإنسانية السامية ككل  ،ستزداد مع الوقت اعداد هؤلاء الملحدين  .

 
في هذه الفترة نلاحظ جميعنا  عدم الاتزان  او معرفة الشعب لترتيب اولوياته لبناء الدولة التخبط واضح من اعلى السلطة  ويمتد إلى القاعدة ،كثرة مبادرات  واقتراحان نثمن جهود القائمين عليها ولكن جميعها تصعد بكرة ثلج هائل منحدر شديد سيأتي يوم تخور قوتنا ونتوقف عن دفعها فتعود لتدهسنا جميعاً ، كذلك نلاحظ التفسخ الأخلاقي في معاملات  وكتابات البعض وكذلك حديثهم  وكأنه اصبح مرادفاً للحرية والتحرر عند الشباب ،عقود من الكبت اطلق مُعتقلوها دون  أساس متين من القيم الأخلاقية ،جعلتنا نسأل ماذا حدث لهذا الشعب ،ماذا حدث للإنسان في هذا الشعب

كُلنا فقدنا شيئاً في هذه الحرب ،شيئاً من توازننا ، من المنطق ،
وكما  يُقال" من الممكن طبعاً  أن تنجو بنفسك من حرب كهذه ..
لكن أن تنجو بإنسانيتك  بعد كل ما يحصل ..
فتلك ستكون المعجزة !