السبت، 14 مارس 2015

خرجنا من ضلع جبل ..رواية الخرافة







تبدأ رواية لولوة المنصوري (خرجنا من ضلع جبل ) بهذه  الافتتاحية 
إلى الأرض..
أطيلي السجود..
 ينزعج إبليس

وتنتهي بهذه العبارة: “وسواس الحقيقة.. هو أنت

تمتد هذه الرواية  الفائزة  بالمركز الثاني في جائزة الإمارات للرواية القصيرة (فئة الرواية القصيرة) بين هذين الحدين على نحو 140 صفحة من القطع الصغير.

تمتلء هذه الرواية بالرمزية العميقة التي يصعب فكها من أول قراءة وكيف لا والرواية مبنيه في الاصل على خرافة جبل جيس  حيث تقول الرواية 
حين استدار على ظهر الريح، الولي الموكل بتهريب عرش بلقيس عائداً من اليمن، اندفع بحماسة على رؤوس جبالنا، و انتقى ثغرة من شقوق الوديان ليسرب فيه العرش.في صدر الوادي اعتدل الولي واقفاً واثقاً بصنيع أتقنه، ثبت مجدداً العرش على رأسه، و انبرى منثبقاً مخترقاً عنق الوادي، بدفعة قوية لم يلحظ بها ارتداد أحد أجنحته القصية على وجه الجبل.
كل ما حدث بعد اختفاء تلك الرجفة أن تحرك جبل (جيس) من مكانه، و اضربت الأرض و ماجت في مخاض عسير لسنوات طويلة، تصدع الجانب اليماني من رأس الجبل، فسقطت صخرة عظيمة بحجم هرم صغير، تدحرجت و انعزلت نائمة قريرة عند حافة البحر، فكانت مائلة كجبهة جيس في سجوده الأبدي على ظهر البلدة.

 تمتاز لغة الكاتبة بالأسلوب الشعري  المميز الغني بالصور الفنية ،التي تؤكد على امتلاك لولوه المنصوري لقلم رائع سيبزغ بشكل افضل لو ابتعدت عن الرمزية وسخرته في رواياتها القادمة في قالب اقرب للواقع ، ومحاولة لنقل العادات الشعبية لأهل الإمارات إلى دروب الرواية الأدبية 

من يقرأ هذه الرواية سيتكبد الكثير من العناء بسبب استعمال الاسلوب الرمزي في السرد ولكن سيبتهج لروعة قلم لولوه المنصوري وسيتنبأ لها بمستقبل كبير في الوسط الأدبي 

لولوه أحمد المنصوري كاتبة وصحفية من الإمارات العربية المتحدة من مواليد 1979. حاصلة على بكالوريوس اللغة العربية ودبلوم في الإعلام الأسري. لها عدة روايات منها رواية "آخر نساء لنجة" و كذلك  مجموعتها القصصية "القرية التي تنام في جيبي "والتي فازت بجائزة دبي الثقافية عام 2013.


366 رسالة بــقــلم ..الـمرحوم




بطل هذه الرواية رفض أن يذكر اسمه الحقيقي بين سطور السرد الشجي لمعاناته بل أختار لنفسه
 اسم يمثل نهايته الواقعية في حُب أسماء ..(المرحوم) الذي ساقه القدر لحضور حفل زفاف قريبه عبدالقادر فأصيب بسهام العشق هناك على مقاعد الصالة التي احتضنت العُرس

لم يعرف المرحوم اسمها بل تكهن به وقرر ان يسميها اسماء ولم يدرك يقيناً مسكنها ولكن قرر ايضا ان يتكهن انه في حي البستان 

أستاذ الكيمياء المولع بالتدريس تولع بكيان تلك المرأة التي لم يراها إلا مرة واحدة فقضى لياليه في أرق العشاق يتخيل لحظة الوصال ،ومضى يبحث عنها في كل مكان 

قرر ان يكتب لها كل يوم رسالة بالقلم الأخضر الذي احب ،فكانت 366 عام ويوم ختمها بتوقيع المرحوم 


تمتاز رواية أمير تاج السر بسرد احادي من قبل البطل ،يسهل على القارئ الاستمرار في القراءة دون ملل ، لا شك من ان لغة تاج السر السلسة ومفرداتها الغنية تجعل من متعة القراءة شيء مضاعف 

أمير تاج السر قلم مؤتمن على نقل الأدب السوداني وواقع المجتمع هناك ومطالعته تجربة رائعة         لمن  اراد ان يتعرف على السودان وأهله 


الثلاثاء، 27 يناير 2015

حكايات سيرة الوجع




يقول أمير تاج السر عن "سيرة الوجع"

"هي مجموعة حكايات من السيرة، كتبتها عن ذكرياتي أيام عملي مفتشًا طبيًا في الحدود السودانية الإرتيرية, وبعض الذكريات من مدينة بورتسودان، وتؤرخ لفترة هامة من تاريخي الشخصي وتاريخ الوطن".
نعم هي مجموعة حكايات تأخذ بيدك إلى السُودان إلى وعورة الأرض في تلك البلدة البعيدة التي استضافت أمير تاج السر عاماً ونصف العام ،لتسمع قصص شخصياتها السريالية حلوف هيثم، أبكر الترزي، حقار شجر غابات، العشوائية، أحمد القاش، المحافظ، المغني، الممرض، جيمس لوال، أبو نارو...شخوص لا يتقن رسم تفاصيلهم وحكاياتهم بمثل هذا التفرد إلا أمير تاج السر .
يشد أمير على يدك وانت تسير في تلك الأرض
 تتلمس ضنك العيش وإهمال الدولة لتلك البقاع ورضا الناس بالقليل القليل وتأقلمهم مع وضعهم المؤسف .
تتساءل كثيراً وانت تقرأ تلك القصص عن اسماء بعض القبائل والطقوس والتي تجعلك في حالة من الحيرة نظراً لجهلك بتلك البقعة ،و الكثير من النقاد يعيبون على أمير تاج السر استخدامه لبعض المصطلحات المحلية إلا أنه يعلل استخدامها ويقول
" لقد عاتبني الكثيرون على ايغالي الشديد في المحلية ، وكتابة لوحات شديدة الخصوصية والتعقيد، واستحضار أسماء لأشخاص وقبائل ومأكل ومشرب ، ولم يسمع بها حتى ساكنو أواسط السودان ، وفي غمرة تحمسهم لقراءتي ،اقترح عليًّ البعض تبسيط قواعدي الكتابية أو الكتابة بطريقة (مونديال القرن) التي يفهمها مواطنو جزر "الأنتيل" وقرية "أم كدادة" في غرب السودان ، جنباُ إلى جنب مع مواطني باريس وروما ولندن ،أقول :
إن المحلية عندي جزء من التركيب الداخلي ، وهي النار التي تركت عليها تجربتي حتى اوشكت أن تنضج ، ولا أستطيع أن أجد اسماً غريباً ، أو طقساً ، أو عادة دون ان اوظفها ..من هذا المنطلق كتبت الرواية ، والشعر و المقالة ."

وهذا ما يميز أمير تاج السر فهو يقدم لك أدباً سودانياً خالصاً لم بمصطلحات غربية ، ورغم الجهد الذي تبذله احيانا في فك بعض المصطلحات المحلية إلا انه جهد يزيد من جمالية ما يكتب أمير تاج السر .
أمير تاج السر  طبيب سوداني  ولا يوجد مجال للاستغراب إن عرفت انه  ابن اخت الكاتب السوداني المعروف الطيب صالح  بدأ في كتابة الشعر العامي وقد غنى له بعض مطربي السودان اشعاره ،وفي عام 1985 بدأ بكتابة  الشعر بالفصحى وكانت قصائده تنشر في مجلات كبيرة ومزدهرة في ذلك الوقت مثل "القاهرة" و"إبداع” و "المجلة" و "الشرق الأوسط"

 كتب  أول روايته بعنوان “كرماكول”، وكان حينها أنهى دراسته في جمهورية مصر العربية ورغم كونها رواية صغيرة فوجئ بأنها أحدثت أصداء كبيرة في القاهرة، ثم توالت رواياته "سماء بلون الياقوت" عام 1996 م ، ثم تلاها برواية “نار الزغاريد” ثم “مرايا ساحلية” وهي الرواية التي أحدثت نقلة في تجربته الروائية، وكانت عبارة عن سيرة ذاتية  عن منطقة "بورسودان" ثم "مهر الصباح " في عام 2002 م ثم رواية "زحف النمل " ثم روايات " "توترات القبطي" و"العطر الفرنسي" ، وصولا لـ" صائد اليرقات"  وكتب أخرى 

السبت، 20 ديسمبر 2014

المجدل ثوب مُطرز في ذاكرة فلسطين ..تدوينه عن (طعم الفراق ..لربعي المدهون )



هي  سيرة المجدل  كثوب مطرز بأيدي أهلها تختلط فيه الألوان .جلجلي وأبو ميتين والجنة والنار والمحير وأبو سبعين و أبو سفرتية  
هي سيرة أهل الجنوب نكبتهم وضياع فلسطين منهم شتاتهم وغربتهم 
هي عدد المرات التي لجأ فيها الفلسطينيون وضاقت عليهم ديار الأشقاء ، هي سيرة لربعي  المدهون والمجدل توثيق للموت والفرح، للموتى والشهداء، للحلم بالعودة ، هي حكايات أمه وذكرياتها التي التقطها عبر البحار من هاتف تنطق امه لطيفة الكلمة من قلب غزة وقلبها لتقع في قلب ربعي في لندن
بدأ ربعي ما كتب بأسلوب الكتب المقدسة في الكتابة في محاولة لمحاكات الاسطورة الصهيونية بنسج اسطورة فلسطينية تجعل الفلسطيني مسيحياً يرفض الصلب ويقاوم بالحجر والمقلاع
على مقطوعات الجاز قسم ربعي حكايته وحكاية أهل المجدل/عسقلان ،أدخلنا في زحمة التساؤل عن افضل جملة يبدأ بها روايته ورواية شعب فقد وطنه !

المجدل قبل النكبة 

ذكرى وفاة والده خليّل كانت هي السبب الذي أجبر ربعي على كتابة هذه السيرة التوثيقية الرائعة :بداية من نكبة 48 حتى نزوحهم إلى غزة ثم ذهابه إلى مصر للدراسة ثم ترحيله منها إلى عمان ثم حرب (المقاومة) ضد الجيش الأردني ثم رحيله إلى العراق ثم دمشق و محطة النهاية نهاية هذا الجزء بيروت .عن محاولة تدويل غزة ، عن عبدالناصر عن النكسة،عن رفض مبادرة روجرز والملك حسين عن العراق والبعثيين عن الجبهة الشعبية وفتح عن  الثورية بلا عقل
كل ما جاء في هذه السيرة كان توثيقاً لشهادات اناس عرفهم ربعي من 1948 حتى خروجه من غزه ،بعد خروجه من غزه تصبح الحكاية حكاية ربعي ،حكاية كل شاب فلسطيني تربى في مخيم عرف كرت التموين والعوز والبرد ،كل شاب كبر على حلم العودة وذكريات اللاجئين من أهلهم ،فحمل السلاح ،لم يرى غيره سبيلاً للعودة ،ظن ان العرب جميعاً مثله يشتاقون للمجدل وعكا وحيفا ،اسند ظهره اليهم مطمئناً فباعوه في سوق النخاسة بأول مصافحة من الجيران الجدد

الأربعاء، 3 ديسمبر 2014

الحلة :عاصمة السخرية العراقية المرة و ذكرى الساخرين






الحُلّة بضم الحاء وتشديد اللام كما اسماها سينا علي بن اب طالب لجمالها و قربها من الفُرات
الحُلة التي يفصلها الفرات إلى صوبين ويحترف اهلها السخرية تلك السخرية النابعة من العجز والمرارة  يأخذنا  نوفل  عبر حكايات اهلها وجلسات المقاهي وليالي السمر بين نكات الأصدقاء وسطوة السخرية  ،يجول بينا نوفل  بين ازقة و شوارع وجسور الحُلّة الثلاث  وبين الصفحات يذكر نوفل بعض الشخصيات الأدبية والثقافية  مثل عبدالجبار عباس وصالح و  الشاعر الملا محمد علي القصاب والمغني المشهور سعدي الحلّي الذي رغم رحيّله لا زال مادة للنكت العراقيّة  وغيرهم
الحُلة ونهر الفرات يقسمها لصوبين 
يتحدث نوفل الجنابي عن طفولته في الحُلّة ومدرسة العدنانية للبنين وعن مدرسيها وناظرها عن حلة الأكراد وساكنيها عن سينما دار الفرات و مقهى السّنيّة عن استكانة الشاي وكوب العرق المسيّح ونداما شط الفرات بللهجة العراقية الدارجة التي تضيف على الكتاب هوية مستقله لا يخجل نوفل من ذكر بعض المواقف التي تحمل بعض الألفاظ البذيئة فأهل الحلة لا يستحون من استخدامها 
محل علاوي للذهب

صورة لمقهى في الحُلة


يتحدث نوفل عن عزيز السري ذلك المُخبر في المباحث السياسية  الذي دأب على قيادة دراجته فيختبئ  الأطفال ومنهم نوفل  وراء صفوف أشجار الآس الممتدة في المنتزه العام  ليصرخوا بأعلى ما يستطيعون
من راقب الناس ..مات هماً
بعد انقلاب تموز 1968 أصبح ترديد تلك العبارة كافية لنصب المشانق لمن قالها
يتحدث نوفل عن عمته التي ظنت ان كبر سنها سيكون عذراً لطول لسانها فأوغلت في النقد والتهجم على حكام العراق الجدد بين جاراتها ليفاجئ زوجها بتوقف البيك آب الأحمر امام بيته وليطلب المفوض ان تأتي الحجيه معه  اراد الزوج الذهاب معها فنهره المفوض وطلب منه البقاء في البيت واغلاق الباب فرد بالعراقية الدارجة كما كتبها نوفل
(اكَعد بالبيت شسوي؟؟
الحجية لا تشوف ولا تسمع
فأجابه المفوض :بس لسانها أطول منها
عادة الحجيه ليلاً على اقدامها صامتة ليومين متتاليين تتلفت فقط وترفض ان تشرب استكان الشاي المقدس عندها وبعد زمن اخبرت نوفل ماذا فعلوا بها
فقالت :حرموني شرب الجاي (الشاي)
كَعدوني عند الضابط ،هو ساكت وآني ساكته ،ثلاث ..أربع ساعات ،وعلى غفلة صــاح جنه كَارصته حيّة :
جيبولي جاي
عمه وآني ما حاطه بحلكَي شي من عشا البارحة
اجاني استكان الجاي مبوخ (ساخن جداَ) بس حطه الفراش جدامي صاح الضابط:
اشربي
ويا عمه من خوفي كرعته كرعة وحدة (شربته دفعة واحدة )  حسيت جهنم اشتعلت ببلعومي
بس حطيت  الاستكان الفارغ بالماعون صاح الضابط:
جيبولها الثاني!!!

وللناقد العربي الكبير عبدالجبار عباس حكايات كثيرة في هذا الكتاب أهمها حكايته مع سرقة دراجته التي كان يطلق عليها اسم (العراق) ومأزقه مع الفصاحة التي اعتاد ان يستخدمها فكان من حظه المنحوس ان استخدم احداها في الحلة فعلقت الحادثة في ذاكرة الحلاويين لتكون مضرب مثل على رطانة المثقفين  
عندما سرقة (العراق) اي درجته مضى عبدالجبار يندبها فسأله زميله محمود العطية أن كان قد بلغ عن سرقتها فرد عبدالجبار
_ ألمن ابلّغ ؟
فرد محمود بسخرية :الشرطة ،المن تبلّغ ؟ مديرية انحصار التبغ ؟؟!!
ذهب عبدالجبار للمركز ليبلغ عن السرقة فلما سأل عن اوصاف دراجته اسهب في البلاغه وقال
(خضراء اللون أو قل خضراء بحبيبات رمادية ،على مقودها من الجهة اليسرى جرس منبه ذو رنين ناعم يبعث على النعاس )!!
رفع رئيس العرفاء رأسة من الدفتر مستفسراً
عمي .أنت متأكد اللي ضايعلك بايسكل (دراجة)؟!!
الناقد عبدالجبار عباس


تسحب مسبحة الذاكرة فيذكر نوفل مرحلة الثانوية وحماسها الذي دفعه للدخول في تنظيم محظور كان مؤسسيه طلاب الثانوية الغرض منه الإطاحة بحكم البعث ،هدف ظن نوفل ان اتحاد من الطلبة سيحققه  !!

يذكر نوفل اول اجتماع لهم بيم اشجار بستان على طريق النجف  اعترض احدهم على مكان الاجتماع معللا ذلك بأنه مكان مفضوح ولو رأوهم  رجال الأمن لأدركوا انه اجتماع لتنظيم سري واقترح ان يكون الاجتماع القادم في كَقهوة صبري اللي كَبال الأمن  بحجة ان احداً لن يتوقع ان تصل الجراءة بهم لعقد اجتماعاتهم هناك

بعد اسبوع اجتمع الرفاق في مقهى صبري  انتبه احد رجال الأمن لذلك فخرج من المقهى وبعد عشر دقائق حضر اربع رجال ودارت معركة كانت الغلبة فيها لرجال الأمن وسحب فيها شخصين الرئيس وصاحب الاقتراح الألمعي ،خرج الأثنان بعد اربعة ايام من الضرب المركز
اقترب نوفل من صديقه المنكل به وهو واقف امام بسطة الجرائد  وبعبارة ملئها السخرية همس نوفل
الاجتماع الجاي وين ؟؟ على سطح الأمن


الكثير من المواقف والتي تضمنت عبارات ساخرة  ضمنها نوفل كتابه والتي كانت اقرب لسيرة ذاتيه ليس لنوفل فقط بل لأغلب رفاقه من  اهل الحُلّة  كنت اتمنى ان اسردها لكم لتعم البهجة قلوبكم وتضجكوا وتقهقهوا احياناً ولتحبوا شخصيات كصلوحي لطيف بربن وبرهان ونسة وعمّودي وغيرهم ولا تستغربوا لهذه الأسماء فأغلبها اسماء لم تسجل في شهادات ميّلاد اصحابها بل اتتى اما مصادفة او من موقف تعرض له احدى هذه الشخصيات فلأهل الحُلّة عدى عادة السخرية هواية اطلاق الأسماء على الاشخاص او الأماكن او الأحداث  يتفردون فيها عن باقي المناطق المجاورة لهم 

الاثنين، 18 أغسطس 2014

يدا أبي ..لمايرون أولبرغ




"الصامت في الأب ناطق في الأبن ولطالما وجدت في الابن ولطالما وجدتُ في الابن سراً للأب، مكشوف النقاب"                                                   فريدريك نيتشه


هكذا  بدأ  مايرون أولبرغ  سيرة حياته والتي حملت اسم "يدا أبي" والتي تقع في ف 294 صفحة ترجمها الأستاذ  مازن معروف .




 تتناول هذه السيرة حياة عائلة امريكية استثنائية عاشت في بروكلين ، مكونة من لويس وسارة الوالدين الأصمين ،و مايرون  الابن البكر و إيرون الابن الأصغر  المصاب بالصرع.

يتحدث الأب إلى ابنه راوياً له ذكريات الطفولة بلغة الإشارة ،إشارة ابتكرها لويس قبل اقرار اللغة العالمية للإشارة في اميركا سنة 1960 م ، وبشيء يشبه المعجزة يُصبح مايرون حلقة الوصل بين والده و عالم الضجيج  و صديقة الأثير في عالم الصمت المطبق ويدرك مايرون أن لغة اليد غنية جداً من خلال حديث والدهِ بواسطة يديه يقول لويس (لغتي تكمن في يدي ،ذكرياتي كلها في يديَّ، تفكيري كاملاً في يديَّ) ،وهكذا أصبح لويس يُحدث ابنه مايرون عن ذكرياته  وعن اليوم  الذي حصل فيه عن عمل في صحيفة نيويورك واليوم الذي لمح فيه سارة زوجته العزيزة على شواطئ  كوني آيلند  فقرر أن بحزم أن يتزوجهت و عن يوم ولادته والتجربة الاسبوعية التي كان يقيمها مع أهل سارة ليتأكد من أن ابنه صحيح السمع ، فقد كان الجميّع يشكك أن يولد لأبوين اصمين ابن بإمكانه سماع الأصوات ، في كل سبت كانت العائلة تتجمع حاملة القدور و الملاعق امام مهد مايرون الصغير وهو يغفو كالملائكة فتبدأ الايدي في الضرب والقرع ليستيقظ مايرون باكياً بينما والديه واهلهما تتحرك ايديهم فرحاً ببكائه .
اكتشف مايرون مع الوقت خلال سبره لذكريات والدته ووالده عن كم الألم الذين تحملاه وهم يواجهون عالم لا يراهما لأنهما لا يمتلكان صوت ، وايقن مع الوقت أن لغة اليدين اكثر صدقاً من لغة الصوت، كان مايرون المعلق بالإشارة لوالده ان استمعوا لمباراة ملاكمه عبر اثير المذياع ، والمترجم بين والده وبائع الخُضار ، و الراعي لأخيه الصغير إيرون المُصاب بالصرع ، كان والده يذكره دائماً بوضع اصبعية السبابه والوسطى على حافة كتفه ثم يحني كتفه كأنه وهن من ثقلِ ما يكرر هذه الإشارة ليؤكد لمايرون الطفل انه مسؤول وأنه يعتمد عليه ليكون اذنه التي لا تسمع وصوته الذي لا يمتلكه ،يقول مايرون عن أحد تلك المواقف: «أفضل ما علمني أبي إياه هو ألا أخفي شيئاً عنه، أن أنقل إليه العالم السمعي كما هو، دون أي حذف أو إضافة، مهما كلف الأمر. علي الآن أن أخبره بما قال لي الجزار صراحة. أشرت: قال الرجل إنك أخرس، وقد أحسست كأنما هناك فرن يهدر في جسدي ذي الأعوام الستة، متيبساً بتقرّح الجلد. إنها المرة الأولى التي أسمع فيها أحداً يصف أبي بالأخرس»، وعندما أمره الأب أن يوصل شتيمة قاسية للجزار، لم يترجم الابن ذلك، وفهم الأب، وعندما خرجا من المحل قال الأب: «أعرف أنك لم تخبر الجزار بما أمرتك به.. يمكنني معرفة ذلك بالنظر إلى وجهك. لا بأس، أفهم الأمر. كنت محرجاً. ليس عدلاً أعلم، أنا في العالم الأصم، وأنت في عالم حاسة السمع»..
تأخذنا السيرة الذاتية لمايرون وعائلته في رحلة انسانية استثنائية تطوقها المحبة الا مشروطه بين مايرون ووالديه ، ومقدار اعتزازهم به و مقدار نضج مايرون رغم انه تحمل مالا يتحمله طفل صغير  وقدرته على السيطرة على مشاعره السلبية   واسئلته  حول سبب اختيار الرب له دون اطفال العالم ليكون ابن لوالدين اصمين ؟ والنظرة التي كانت سائدة في عشرينات القرن الماضي حول ذوي الاحتياجات الخاصة في اميركا ؟ وبعض المعلومات عن تاريخ اميركا في تلك الحقبة التي توازت مع حدوث الكساد الكبير الذي اجتاح العالم ، لا تخلو السيرة من الروح المرحة التي اتقنها مايرون ، توفي والده عام 1975 م وتوفيت والدته 2001م وإلى أخر يوم في حياته ةالدته كان مايرون موجوداً ليكون صوتها .


يعتبرون مايرون من كُتاب قصص الأطفال المشهورين تحصل على جوائز عدة ، ومن بين مؤلفاته: «التحليق فوق بروكلين»، و«الكلب الطائش ماكغرو»، و«ليمويل الأبله»، و«عامل الطباعة».
مايرون أولبرغ




الاثنين، 14 يوليو 2014

خَبِّرْنا خَبِّرْ عن يـافـا

خَبِّرْنا خَبِّرْ عن يـافـا





بمجرد ان تقرأ عنوان تتخلله كلمة (يافا) تتذكر قسماً لجورج حبش في احدى رسائله " قسماً ببرتقال يافا و ذكريات اللاجئين، سـنُحاسب البائعين لأرضنا والمشترين".وتتذكر أغنية الأخوين الرحباني (أذكر يوماً كنت بيافا) 


كان العنوان الذي ذكرني بجملة الحكيم رواية بعنوان (يافا تعد قهوة الصباح )، الرواية لا تتمتع بعمق في الشخصياتكروايات اليوم ،ولا بالوصف الأدبي ولا البلاغي ولا بتنوع المفردات ،ولكن لها جاذبية ما ، ربما بسبب الفكرة الجديدة التي تطرحها  مقارنة بباقي الروايات الفلسطينية فهي بعيدة كل البعد عن فكرة الحرب والنكبة والتهجير واللجوء ، تحاول الرواية وبكل بساطه أن توثق الحياة اليومية لأهل يافا في 30 و 40 القرن الماضي بشكل عام تضع مقارنة بين عائلة البيك أبو سليم وبين عائلة الناطور أبو إبراهيم ،وكيف تعيش هاتين العائلتين ومدى ارتباطهما بالمحيط ، هي عملية سرد بسيطة ولكن ممتعة ربما لأننا نجهل كيفية معيشة أهل فلسطين قبل التهجير ، يبدأ أنور حامد سؤاله من نحن ؟من يستطيع أن يمدني بمعلومات تساعدني في رسم ملامح تلك المجموعة البشرية التي سكنت يوماً ما تلك القطعة من الأرض المسماة فلسطين والتي تتفن النساء في ارتداء قلادة منحوتة لخارطتها وكأن القلادة أصبحت رمزاً للانتماء ؟


لا أريد أن اعرف من نحن من اغان تراثية حُرفت لتدخل عليها السبطانة ورائحة البارود لا أريد ان اعرف تاريخ فلسطين بدلالة أول رجل يهودي مهجر سبقه الخوف قبل ان تطأ قدمه أرض فلسطين .



من هم شعب يافا  أين ذهبت عائلات حي العجمي والمنشية وارشيد والنزهة والجبلية وهرميش.
 وبدأ أنور رحلة بحثه من خلال صفحته على الفيس بوك طالباً معاونة الأصدقاء للبحث عن أهالي يافا وحيفا و باقي المدن التي كانت يشكلون مجتمعاً راسخاً ذا ملامح واضحه ، وكان له ما أراد حين قرأ رسالة لشاب من الأردن اسمه بهاء يقيم في حي الشميساني بالعاصمة عمان ، كان حفيّد فؤاد أبن البيك أبو سليم  وبطل الرواية مع بهيّة بنت الناطور أبو إبراهيم ، خشبة الأحداث حقول البرتقال وشوارع يافا وبحرها .

صف الكشافة  في المدرسة الأميرية (يافا)


صف النجارة في المدرسة الأميرية (يافا)




سينما الحمرا في شارع جمال باشا بمدينة يا فا سنة 1937



لا تتوقع أيها القارئ أن تعجبك النهاية فالرواية ستغلق فجأة ولا زلت ترغب في أن تستمر ،كأن أنور حامد اضطر لإنهائها على عجل ،ربما أمانة النقل منعته من اضافة بعض الأحداث من مخيلته وربما أراد أن يقول أن هناك ما هو أقسى من التهجير واللجوء وأن الحب المستحيل اقسى !
لم أذق يوماً برتقال يافا ولكنه كما يُقال لا يوجد برتقال كبرتقال يافا الحزين   


موسم قطف البرتقال

الثلاثاء، 8 يوليو 2014

حلوى عاشورة




تعمدت أن اقرأ هذه الرواية قبل رواية قواعد العشق الأربعون لإليف شافاق لا أدري لماذا اختارت إليف اسم (لقيطة إستانبول ) لروايتها رغم أن الرواية لم تكن تتكلم عن آسية وحدها ، تمتلك إليف قدرة عجيبة في إعطاء كل شخصية في الرواية القدر المطلوب لتجعلها محط انتباه القارىء ، الوصف الظاهري ،الحركات التعابير العاطفية لكل شخصية دون أن تخل بتوازن الرواية ودون أن تشتت القارىء ،أول المشاهد الذي يشدك إليها مشهد المطر الذي يهطل في شوارع استانبول ويبلل شعر زليخة الأسود ، ليدخلك بعدها في مشهد الضجيج والحياة الغارق في حب استانبول ،ثم تأخذك الشوارع إلى بيت قازانجي ، بيت ملء بالنساء المتناقضات ،كل واحدة منهم تمتلك قدراً من الجنون ،بانو شكرية فريدة زليخة أم كلثوم وما-الهيفاء وطبعاً آسية ،بعد الفصل الأول والثاني والثالث من الرواية تُدرك أن الفصول معنونة بأسماء مكونة لأكله مشهورة في تركيا وفي الوطن العربي عموماً ،عاشورة وتتسائل لماذا قسمت إليف وعنونتها بمحتويات آكلة ما ؟! أكان السبب أن مصطفى الرجل الوحيد في عائلة قازانجي كان يحبها أم لأن الأكل هو الرابط بين الأتراك والأرمن غير الدم والمجازر ، أم لأن حكاية العاشورة كما في الموروث التركي هو مانتج عندما ركب سيدنا نوح السفينة مع اخيار الناس والحيوانات والطيور وقل الطعام فأمرهم بأن يجلب كلُ ما عنده إلى قدر ليكون الناتج حلوى العاشورة  ،هي رسالة للمودة والألفة والمحبة هكذا أرادت إليف في روايتها أن تجمع قصة آسية التركية  بآرمانوش الأرمنية أن تفتح الباب بين تركيا الحاضر وتركيا الماضي ، أن توصل رسالة كل طرف للأخر وهذا شيء أجزم أنها قد نجحت فيه .
لم تنكر إليف المجازر التي وقعت في حق اللأرمن وكذلك لم تعتذر عنها كتركيّة لأن ذاكرة التاريخ عند الأتراك بجزئين بين دولة عثمانية وما يسمونها حديثاً بتركيا الحديثة فذالك زمان وهذا زمان بالنسبة لهم ، فهي جسدت في شخصية آسية الفتاة التي تركل الماضي بقدميها ولا تبحث عنه ولا تسأل عما يحتويه من أحداث عكس آرمانوش الأرمينية الأصل التي تربت أن التاريخ جزء من الماضي وأنها ككل الأرمن  اصرارهم بالأرتباط بالماضي ليس من أجله او من أجل القضية  بل من أجل انفسهم فهم لا يستطيعون ان يعيشوا الحاضر إلا من خلاله .

سترى أن إليف شافاق في هذا الرواية تأخذك في رحلة تاريخية لا مثيل لها، وتارة أخرى تلعب دور المرشد السياحي لتصف لك استانبول ،وتارة أخرى تجلسك على طاولة لتذيقك أشهى المأكولات ،تغوص بك في حالة التناقض بين الشرق والغرب بين الروح والجسد  .

ستبقى مشاهد عدة راسخة في ذاكرتك بعد ان تتم هذه الرواية ،مشهد المطر وكاسات الشاي والعين الشريرة ، مجادلات مقهى كونديرا ،بانوا والسيد مُرّ،ودبوس الرمانة الذهبية،مشهد رحلة شوشان وعائلتها ،ووصفة وإعداد حلوى عاشورة وستحفظ  القواعد الذهبية لحصافة المرأة الإستانبولية وتلك العبارة التي قرأتها زليخة وعمرها تسعة عشر عاماً لتعود ابنتها لتقرأها وعمرها تسعة عشر عاماً "لا تقل إني بائس فللبؤساء قلوبٌ أيضاً "و هذه الأسطر.

كان يا مكان
كان في قديم الزمان ،في أرض ليست ببعيدة كثيراً ، عندما كان المنخل داخل القشّة، كان الحمار منادي البلدة ، وكان الجمل حلاق البلدة.. كنت أكبر سناً من أبي لذلك كنت أهز مهده عندما كنت أسمع بكاؤه ..عندما كان العالم مقلوباً رأساً على عقب، وكان الزمن دائرة تدور ، لذلك كان المستقبل أقدم من الماضي، وكان الماضي نظيفاً ونقياً مثل حبة بُذرت في الحقل حديثاً.

كان يا مكان ،في قديم الزمان ،كانت مخلوقات الله كثيرة جداً بعدد حبات القمح، وكان الكلام إثماً ، لأنك تستطيع أن تعرف مايجب ألا تتذكره ، وتستطيع أن تتذكر ما يجب ألا تقوله.