"الصامت
في الأب ناطق في الأبن ولطالما وجدت في الابن ولطالما وجدتُ في الابن سراً للأب، مكشوف
النقاب"
فريدريك نيتشه
هكذا بدأ
مايرون أولبرغ سيرة حياته والتي
حملت اسم "يدا أبي" والتي تقع في ف 294 صفحة ترجمها الأستاذ مازن معروف .
تتناول هذه السيرة حياة عائلة
امريكية استثنائية عاشت في بروكلين ، مكونة من لويس وسارة الوالدين الأصمين ،و
مايرون الابن البكر و إيرون الابن الأصغر المصاب بالصرع.
يتحدث
الأب إلى ابنه راوياً له ذكريات الطفولة بلغة الإشارة ،إشارة ابتكرها لويس قبل
اقرار اللغة العالمية للإشارة في اميركا سنة 1960 م ، وبشيء يشبه المعجزة يُصبح مايرون
حلقة الوصل بين والده و عالم الضجيج و
صديقة الأثير في عالم الصمت المطبق ويدرك مايرون أن لغة اليد غنية جداً من خلال
حديث والدهِ بواسطة يديه يقول لويس (لغتي تكمن في يدي ،ذكرياتي كلها في يديَّ،
تفكيري كاملاً في يديَّ) ،وهكذا أصبح لويس يُحدث ابنه مايرون عن ذكرياته وعن اليوم الذي حصل فيه عن عمل في صحيفة نيويورك واليوم الذي لمح فيه سارة زوجته العزيزة
على شواطئ كوني آيلند فقرر أن بحزم أن يتزوجهت و عن يوم ولادته
والتجربة الاسبوعية التي كان يقيمها مع أهل سارة ليتأكد من أن ابنه صحيح السمع ،
فقد كان الجميّع يشكك أن يولد لأبوين اصمين ابن بإمكانه سماع الأصوات ، في كل سبت
كانت العائلة تتجمع حاملة القدور و الملاعق امام مهد مايرون الصغير وهو يغفو كالملائكة
فتبدأ الايدي في الضرب والقرع ليستيقظ مايرون باكياً بينما والديه واهلهما تتحرك
ايديهم فرحاً ببكائه .
اكتشف
مايرون مع الوقت خلال سبره لذكريات والدته ووالده عن كم الألم الذين تحملاه وهم
يواجهون عالم لا يراهما لأنهما لا يمتلكان صوت ، وايقن مع الوقت أن لغة اليدين
اكثر صدقاً من لغة الصوت، كان مايرون المعلق بالإشارة لوالده ان استمعوا لمباراة
ملاكمه عبر اثير المذياع ، والمترجم بين والده وبائع الخُضار ، و الراعي لأخيه
الصغير إيرون المُصاب بالصرع ، كان والده يذكره دائماً بوضع اصبعية السبابه
والوسطى على حافة كتفه ثم يحني كتفه كأنه وهن من ثقلِ ما يكرر هذه الإشارة ليؤكد
لمايرون الطفل انه مسؤول وأنه يعتمد عليه ليكون اذنه التي لا تسمع وصوته الذي لا
يمتلكه ،يقول مايرون عن أحد تلك المواقف: «أفضل ما علمني أبي إياه هو ألا أخفي شيئاً
عنه، أن أنقل إليه العالم السمعي كما هو، دون أي حذف أو إضافة، مهما كلف الأمر. علي
الآن أن أخبره بما قال لي الجزار صراحة. أشرت: قال الرجل إنك أخرس، وقد أحسست كأنما
هناك فرن يهدر في جسدي ذي الأعوام الستة، متيبساً بتقرّح الجلد. إنها المرة الأولى
التي أسمع فيها أحداً يصف أبي بالأخرس»، وعندما أمره الأب أن يوصل شتيمة قاسية للجزار،
لم يترجم الابن ذلك، وفهم الأب، وعندما خرجا من المحل قال الأب: «أعرف أنك لم تخبر
الجزار بما أمرتك به.. يمكنني معرفة ذلك بالنظر إلى وجهك. لا بأس، أفهم الأمر. كنت
محرجاً. ليس عدلاً أعلم، أنا في العالم الأصم، وأنت في عالم حاسة السمع»..
تأخذنا
السيرة الذاتية لمايرون وعائلته في رحلة انسانية استثنائية تطوقها المحبة الا
مشروطه بين مايرون ووالديه ، ومقدار اعتزازهم به و مقدار نضج مايرون رغم انه تحمل
مالا يتحمله طفل صغير وقدرته على السيطرة
على مشاعره السلبية واسئلته حول سبب اختيار الرب له دون اطفال العالم ليكون
ابن لوالدين اصمين ؟ والنظرة التي كانت سائدة في عشرينات القرن الماضي حول ذوي
الاحتياجات الخاصة في اميركا ؟ وبعض المعلومات عن تاريخ اميركا في تلك الحقبة التي
توازت مع حدوث الكساد الكبير الذي اجتاح العالم ، لا تخلو السيرة من الروح المرحة
التي اتقنها مايرون ، توفي والده عام 1975 م وتوفيت والدته 2001م وإلى أخر يوم في
حياته ةالدته كان مايرون موجوداً ليكون صوتها .
يعتبرون
مايرون من كُتاب قصص الأطفال المشهورين تحصل على جوائز عدة ، ومن بين مؤلفاته: «التحليق
فوق بروكلين»، و«الكلب الطائش ماكغرو»، و«ليمويل الأبله»، و«عامل الطباعة».
مايرون أولبرغ |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق