الأربعاء، 25 يونيو 2014

بورتريه دوستويفسكي

في عام 1872م أوفد (بافل تريتياكوف) صاحب معرض لصور الجاليري الشهير في موسكو ،الرسام الروسي المعروف (فاسيلي بيروف ) ليحصل على صورة زيتية لـ دوستويفسكي رغبة منه في ضمها لمجموعة صور المعرض ، لم يجلس بيروف  كعادة كل الرسامين ليرسم دوستويفسكي مستخدماً الطريقة المُعتادة في رسم البورتريه ، بل  بقي لأسبوع يتردد يومياً على بيت ديستوفسكي ويتبادل مع أطراف الحديث ويحاوره في مسائل وموضوعات جدلية ،لاستفزاز الملكات العقلية لفيدور دوستويفسكي حتى كان له ما أراد واستطاع بذكائه تصيّد تلك النظرة الحزينة الشاردة لـ دوستويفسكي ، أو هكذا  ظن كل من طالع هذه الصورة الزيتية للأديب الروسي العظيم ، نظرة حزينة تفسرها الحياة البائسة التي عاشها ديستوفسكي منذ الصغر وفقده لمن يُحب، أمه ،وأخوه ميخائيل، وابنته البكر صوفيا، وابنه الصغير الكسي ،والمرض ،والديون التي ورث اغلبها من أخيه وجفاء اقربائه ومرض زوجته الأولى ووفاتها ، ودسائس اقرانه من الادباء وتهكمهم عليّه ومرارة السجن و ألم المنفى ، لم يدركوا أن هذه النظرة هي النظرة التي تسبق كل رواية عظيمه له ، كل وصف فني دقيق لحالة إنسانية في رواياته ،تلك النظرة سبقت وصف مشهد الولادة في رواية " الشياطين" وهي نفس النظرة التي سبقت كتابة مشهد حلم راسكولنيكوف حول الحصان القتيل في رواية الجريمة والعقاب .


بورترية فاسيلي بيروف


لم يدرك  أحد أن تلك النظرة التي تصيّدها بيروف هي نظرة الإبداع ، نظرة التأمل ، نظرة الغوص في النفس البشرية ، إلا بعد أن كتبت زوجته  آنا غريغوريفنا في مذكراتها التي تحمل اسم Dostoevsky Reminiscences قصة هذه اللوحة ، وذكرت أنها كانت تلتمس هذه النظرة مراراَ وتكراراً كلما دخلت على زوجها في مكتبه وعبرت عن تلك الحالة بأنها حالة غوص في الذات تصل به لدرجة أنه لا ينتبه لدخولها وخروجها من المكتب مراراً وتكراراً ،ولا يصدق أنه لم ينتبه !
لا يضاهي هذا البورتريه  لديستوفسكي أي لوحة زيتية أخرى إلا صورة نصفية رسمها كرامسكوي  في اليوم الثاني لوفاة ديستوفسكي

قيل عن ديستوفسكي الكثير ، كتب كثيرة تناولت أدبه وحياته ،لكن آنا هي الوحيدة التي أنصفته ،لم تدري آنا وهي تكتب هذه المذكرات ،وهي التي بدأتها باعتراف أنها  لا تملك الموهبة الأدبية اللازمة ، لم تعرف بأنها تؤرخ لفترة مهمة في تاريخ روسيا الأدبي والسياسي  وأن مذكراتها أصبحت تُقرأ كمدخل للاضطلاع بالآدب الروسي من غزارة المعلومات والأسماء المذكورة فيها ، ولم تدرك وهي التي عاشت عمرها حاملة السلاح كما كان يسميها ديستوفسكي ، أنها تكتب رواية بطلها ديستوفسكي الإنسان الأديب !  






سارة علي عبدالنبي 
25/6/2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق