الأربعاء، 30 أبريل 2014

يـامـريَّم


يا مريّم رواية تدور أحداثها في يومٍ واحد ، تسمع بين أوراقها صوتين يتحدثان عن عراق الأمس وعراقِ اليوم ، يوسف و مها ، صوت الذكريات  وصوت الواقع ، يوسف الذي بلغ من العمر الثمانين والذي يقطن منزلاً بالكرادة يستضيف مها وزوجها لؤي ، مها ابنت الحاضر من هُجِرت من بيتها بسبب ديانتها المسيحية وأجهضت طفلها بسبب عمليّة انتحارية وهي نائمة في منزلها .
يوسف من أحب النخل وترجم كتاباً كاملاً يحكي عن علاقة النخل بأهل العراق  ، ورأى أن العراق والنخل تسكنهما روحٌ  واحدة ،  ما صلح النخل إلا صلح معه العراق، يوسف كَوركَيس الذي عمل في جمعيّة التمور العراقيّة  وتعرف على حُب حياته دلال ، والذي منعته ديانتها من الارتباط بها ، يوسف الذي تُلح عليّه أخواته المهاجرات خارج العراق أن يتركها بعد ازدياد عمليات التفجير والقتل التي تستهدف المسيحيين وبعد وفات أختهِ (حنّة) فيجيبُهن :
وين أرُوح بـها العمر و أتبَهْـدَل ؟! أتبَهْـدَل هُوني ببلدي أحسن

يوسف الذي لا يتذكر من العراق إلا ذكريات جميّلة ، لا يُسمع فيها كلمة مسلم مسيحي ،سُني شيعي ، عربي كُردي ، زمن يوسف عمر و فلفل كًرجي  وفلاح حسن ،وصديقاه (اليهودي) نسيم حزقيل  و سالم حسين ، يوسف الذي يتكلم عن اقتناع أن ما تمر به العراق إنما هي غيّمة عابرة لابد أن تذوب يوماً و وتفرق في السماء، وتعود العراق كنخلة بابليّة شامخة .



يحكي لصديقه "سعدون "المسلم السني  صديق العائلة ومرابع الرياضة ، الذي حضر جنازة 
"حنة " وانزلها معه إلى قبرها وقرأ لها الفاتحة داخل الكنيسة الكلدانية يحكي له عن ذكرى وفاة "حنّة " وعن القُداس ، و يحكي لهُ عن الجدال الذي دار بينه وبين مها وعن جملتِها التي هزته :
(أنت عَـيّش بالماضي عــمُّـو )

مها ابنت اليّوم لا تعرف من العراق إلا القتل والتهجير والطائفيّة والخوف ، لم تعرف في العراق إلا أنها أقليّة ، كافرة ، أهل ذمة ،يُصير يوسف على موقفه ويعتبر ما يحدث غيّمة عابرة وتُصر مها على كلامها وتعتبره غارقاً في الماضي بين ذكرياته والصور المعلقة ومكتبة الكاسيت التي يفخر بامتلاكها.

يقول سعدون ليوسف في حوارهما وهما يشربان القهوة: (ضاع البلد بين إيران والعربان والأمريكان. والله ما أدري جانت (كانت) كل ها لطائفيّة موجودة و إحنا ما حاسّين بيها ؟!!معقول ! وين جانت خاتلة ؟ لو هاي (هذه)صارت  كلها مؤخراً ومن ورا التدخلات والحقد علينا وهذوله اللي جوي من برا وجابو و سخهم وياهم ؟ هاي سندس كَدامك (أمامك) ، مو متزوجة شيّعي ؟ أشو  ما جانت مشكلة قبل 15 سنة  ؟!!)


ويجود على يوسف بأبيات  ساخرة للجوهري (أبو فرات)  عن الطائفية يقول فيها:

"أي تطَرطَري، تَقَدَمي، تأخَري، تَشَيعي، تَسَنَني، تهوّدي تَنصَري، تَعَربي".

ويضحك يوسف وسعدون على هذا الزمن

يسير سعدون عائداً إلى بيته سيراً على الأقدام وهو يُفكر في مها وما قلته ، ويتأمل النخيّل التي تُزين حدائق البيوت ويتأسف على حال بعضها لم  يكرب ولا يشذب منذ زمن ، النخل كالإنسان  ففيها الذكر والأنثى ،يلقح الثانية طلع الأول ويخصبها فتحبل كامرأة وتتدلى أعذاقها ،الفسيّلة هي الأخرى كالطفل الصغير لا بد أن تحمى من البرد والمطر كي تشب قوية ، الحروب تقطع رؤوس البشر والنخل هكذا يقول يوسف وهو يتساءل اين ذهب "صاعدو النخل "!!

يعود للبيت يشعر بالتعب ينامُ قليلاً ثم يحن لسماع أغنية " نوحي نوحي نوحي يا روحي على العافوج  يا روحي نوحي".. ليوسف عمر تأخذهُ كلماتها لزمن الحُب والمودة وجلسات الشرب والقهوة  ورائحة القرنفل والجوري وحلكَـ السبع .



يسترق السمع علّه يسمع صوت مها في الأعلى ، علّها تأتي إليه فتعتذر عن انفعالها البارحة ، مها تجلس في قاعة الدرس بجامعة الطب ، وعقلها هناك مع عمها يّوسف ،تقول لنفسها سأعود وأطبخ له "تبسي الباذنجان " واعتذر له .


لم يلتقي يوسف ومها رغم أنهما جلسا في نفس الكنيسة لقُداس "حنّة" لم يُعطيّهم من ظنوا أن انتهاك الكنائس عملٌ يفتح لهم أبواب الجنّة وقتاً للقاء ، مات يوسف برصاصة استقرت في قلبه ونجت مها من الموت بأعجوبة بعد أن ادعتهُ لساعات .

مات يوسف وهو يؤمن بأن مريّم قد هزت جذع النخلة فتساقط عليّها رُطباً جنياً .




سارة علي عبدالنبي
30 أبريل 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق