السبت، 15 أغسطس 2015

رضوى عاشور و (قصيدة الحياة والحب والموت )...



تُعد لوحة "الصرخة "المرسومة بالألوان من أكثر لوحات مونش تعبيرية يلاحظ فيها الأشكال و الألوان و المنحنيات الخاصة به و الغموض و الرمزية التي تعكس الواقع المرير للألم الإنساني و ما يعانيه الإنسان من عزلة في هذا العالم المترامي الأنحاء ، قيل أن مونش  رسمها في يوم تصادف فيه ثوران بركان كراكاتاوا في عام 1883 و الذي سبب غروباً شديداً في مختلف أنحاء أوروبا ، و قيل أيضا ً أنه رسمها في خضم حزنه لدخول أخته "لورا" المصحة النفسية ، كانت تلك اللوحة ضمن مجموعة لوحات رسمها "مونش" أثناء تواجده في برلين تحت اسم "إفريز الحياة" و التي وصفها بنفسه على أنها (قصيدة الحياة و الحب و الموت )
وربما بسبب وصف مونش  الأخير للوحته اختارتها رضوى  لتكون غلاف لسيرتها الذاتية الثانية وأخر كتاباتها ..
اربع وعشرون فصلاً غابت عن بعض الفصول سطور الحكاية  لإن المرض كان أسرع من رضوى ..
يقول مريد وتميم في الغلاف الخلفي للكتاب أنهم نشروا النص كوثيقة ،كما هو بدون تدخل من جانبهما ،مشيرين إلى القارئ :أن بعض الفصول سوف تحتوي على رؤوس أقلام أو عناوين تليها صفحات بيضاء ،ومن بين نصوص رضوى جميعها هذا النص الوحيد الذي رفضت أن تسمح لأسرتها او اصدقائها الاطلاع عليه اثناء كتابته .
خلال قراءتي لسيرتها الثانية والتي تتحدث فيه رضوى عن  محاربتها لمرض خبيث سكن رأسها  ، رجعت بي الذاكرة لأكتوبر من عام 2014 في العاصمة التونسية حين جلست وحيدة أمام الدكتور المعالج ليخبرني شكوكه حول وجود خلايا سرطانية في الغدة الدرقية والتي عانيت منها على عدة سنوات وكانت النتيجة ثلاث عمليات سابقة .
فتح الدكتور المغلف الذي احضرته من معمل التحليل لا زلت اذكر  اظافر يديه المقلمة ، ورغم حديثة الهادئ و تفاؤله  إلا انني في تلك اللحظات تمكنت بصعوبة من ابقاء شلال من الدموع داخل عيناي ،خضت بعدها اسبوعاً من الانتظار  وحيدة رغم  الرفقة ،واسبوعا اخر من التجهيزات لتحديد موعد العملية ودراسة الخيارات .
لا اريد أن اطيل عليكم في الحديث عن نفسي ، ومدى المخاوف التي خبرتها على مدى شهر كامل  ربما لأني رضوى اختصرت ذلك بجملة واحدة في كتابها عندما قالت أسوأ ما في المرض أنه يُرْبِكُ ثقتك بنفسك فيتسرب إليك الخوفُ من أنك لا تصلح, و لن تستطيع .”
في هذه السيرة وفي سابقتها "أثقل من رضوى " تتحدث رضوى وإن كان بطريقة لم نعهدها ، فيها بعض التشتت ،فالمرأة تعلم أن معركتها مع المرض خاسرة .. تدرك ان تأثيرات الجراحة التي أجرتها في امريكا والدنمارك  تفقدها القدرة على الكتابة كما كانت ..
تتحدث خلال "الصرخة" عن الثورة المصرية و تعلن آسفها لنزولها في مظاهرات 30 يونيو ، وتعلن عن رفضها ان تمنح تفويضاً يسمح بإقصاء الأخرين وقتلهم ،،وتشير مرات عدة خلال سردها لإحداث رابعة والنهضة ومحمد محمود واعتقال وقتل شباب الثورة
كنت اشعر بالحزن عندما اتفاجأ بورقات بيضاء بعد احد الفصول ، أشعر في تلك اللحظة كما شعرت سابقاً عند اعلامي بمرضي والذي شفيت منه بوجود فيض من الحكايات والكلمات لم اقولها   
في كل ورقة بيضاء في "الصرخة " اكرر  الموت اختطف رضوى وفي قلبها فيض من الكلمات ..




أحببت رضوى عاشور  منذ اليوم الأول  و الذي اهتدني فيه صديقتي الغالية قصة لها بعنوان (خديجة وسوسن ) أحببتها اكثر عندما اذهلتني في رواية الطنطورية  ثم  ابكتني في رواية (ثلاثية غرناطة ) و (فرج) و(أطياف ) و(سراج )
لا يمكن لأحد أن  يصف رضوى كما وصفها يوماً زوجها الشاعر مريد البرغوثي في صديقة لها  في عام 1987 م  يقول فيّها


على نَوْلِها في مساءِ البلادْ
تحاول رضوى نسيجاً
وفي بالها كلُّ لونٍ بهيجٍ
وفي بالها أُمّةٌ طال فيها الحِدادْ

على نَوْلِها في مساءِ البلادْ
وفي بالها أزرقٌ لهَبِيُّ الحوافِّ
وما يمزج البرتقال الغروبيّ
بالتركواز الكريمِ
وفي بالها وردةٌ تستطيع الكلامَ
عن الأرجوان الجريحِ
وفي بالها أبيضٌ أبيضٌ كحنان الضِّمادْ

على نَوْلِها في مساءِ البلادْ
وفي بالها اللوتسيُّ المبلّلُ بالماءِ
والأخضر الزعتريّ
وصُوفُ الضُّحى يتخلّل قضبان نافذةٍ
في جدار سميكٍ
فيُدْفِئُ تحت الضلوع الفؤادْ

على نَوْلِها في مساءِ البلادْ
وفي بالها السنبُلِيُّ المُعَصْفَرُ
والزعفران الذي قد يجيبكَ لو أنتَ ناديتَهُ
والنخيليُّ وهو يلاعِبُ غيماً يُحاذيهِ
في كفِّها النَّوْلُ، متعبَةً، تمزجُ
الخيطَ بالخيْطِ واللونَ باللونِ
تَرضى وتستاءُ
لكنها في مساءِ البلادْ
تُريدُ نسيجاً لهذا العراء الفسيحِ
وترسمُ سيفاً بكفّ المسيحِ

وجلجلةً مِن عِنادْ


سارة علي عبدالنبي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق